20-03-2009
الكاتب:happy
المهندس ريتشارد K بيرنستاين (الطبيب فيما بعد)
قرأت كتابا عن السكر، وقررت أن اشير إليه كلما سنحت الفرصة أو كلما شعر المرء بتدني المعنويات. الكتاب طويل ومفصل، والأطباء في المسار العام يكرهون بيرنستاين ولعلمكم يحقدون عليه لأنه يطالب ويعد بـ AIc أقل من الخمسة، بل أنه في أحد صفحات الكتاب يتحدى أي طبيب في تخصص السكر، سليم ومعافى من كافة الأمراض أن يكون معدل سكره أفضل من معدل سكر عند بيرنستاين.
أطرف ما عرفته هو سبب اختراع اجهزة قياس السكر السريعة التي نستخدمها، فهل تعلم لماذا اخترعت؟
******************
ريتشارد ك بيرنستاين، طبيب
كتابه: الحل لمرض السكر: الدليل الوافي لتحقيق معدل طبيعي لسكر الدم
في الفصل الاول، تحت عنوان حياتي مع مرض السكر: اكثر من نصف قرن بكثير وما زلت احسب
يقول بأنه تم تشخيصه كمصاب بالنوع الأول من السكر عام 1946 حين كان عمره 12 عاما، وإنه عاش العقدين التاليين لتشخيصه في حالة "طبيعية" كمريض كما كان العرف السائد في ذلك الوقت (وهو يضع حياة "طبيعية" في نص اقتباس للتنبيه على أن الحكمة في ذلك الوقت كانت خاطئة كليا). وأنه كان يتبع ارشادات الطبيب بالتزام يكاد يكون مقدس. ومع مرور الزمن ساءت المضاعفات التي لم يكن بحاجة إليها، لأنه كان قد قابل الموت مبكرا. صحيح أنه لا زال حيا لكن حياته لم تكن تلك الحياة الجيدة .
يقول: والحق أنني لو لم اتسلم زمام حياتي بنفسي لما كنت اليوم بين الأحياء. فهناك الكثير من الأساطير حول التغذية ومرض السكر، وكثير مما لا زال يعتبره الطبيب العادي نصيحة تغذية معقولة للمرضى ستفضي مع الزمن إلى الهلاك.
ففي اربعينيات القرن الماضي، التي كانت عصر الظلمات بالنسبة لمرضى السكر، كان على المريض أن يعقم الابر والسيرنجات الزجاجية بطريقة غليها في الماء، وأن يشحذ الابر بالمسن أو المبرد الحجري وكان يستخدم انبوب اختبار ومصباح كحولي (شعلة) لقياس سكر البول. فكثير مما يعتبرها مرضى اليوم مسلمات لم تكن لتخطر في أحلام مرضى ذلك الزمان.
كان اطباء ذلك الزمن قد تعرفوا للتو على علاقة كلوسترول الدم المرتفع وأمراض الشرايين، فكان الاعتقاد السائد آنذاك أن ارتفاع الكلوسترول ناتج عن تناول كميات كبيرة من الدهون. وبما أن الكلسترول دائما مرتفع لدى مرضى السكر، حتى الأطفال منهم، فقد بدأ الأطباء يفترضون أن مضاعفات السكر (امراض القلب، الفشل الكلوي، العمى، إلى آخره) سببها الدهون التي يتناولها مرضى السكر. ونتيجة هذه الحكمة فقد وصفوا لي حمية منخفضة الدهون عالية الكربوهيدرات حتى قبل أن تتبنى هذا الوصف جمعية السكر الأمريكية أو جمعية القلب الأمريكية.
ولأن الكربوهيدرات ترفع نسبة السكر في الدم كان علي أن أقابل الإرتفاع بكميات كبيرة من الأنسولين التي كنت اغرزها مستخدما سيرنجات "بغال" مقاس 10 سي سي. كانت هذه الغرزات مؤلمة وبطيئة، وقضت في نهاية المطاف على الانسجة الدهنية التي تحت الجلد في مكان الغرز. ورغم انخفاض الدهون في تغذيتي إلا أن الكلسترول اصبح مرتفعا جدا. حتى أن اعراضه ظهرت للعيان: نتوءات دهنية حول الجفون ومحاجر العين.
وإبان ريعان شبابي (العشرينات والثلاثينات) بدأ الكثير من انظمة جسدي بالتدهور، فكنت أعاني من ألم حصى الكلية المؤلم جدا، والكتف "المتجمد" وتشوه مستمر في القدمين مع إختلال الحس بهما، وغير هذا الكثير. وقد كنت أذكر هذه التعقيدات إلى اخصائي السكر المعالج (الذي كان في ذلك الوقت رئيس جمعية السكر الأمريكية) لكنني كنت أتلقى دائما المقولة التالية: "لا تقلق، ليس لهذه علاقة بمرض السكر. إنك تبلي بلاء حسنا."
في هذا الوقت، كنت قد تزوجت، والتحقت بالجامعة، وتخرجت مهندسا. كان لدي أطفال، ورغم أنني أنا نفسي لم أكن سوى طفل، إلا أنني كنت أشعر بأنني وصلت سن الشيخوخة. لقد فقدت الشعر على ساقي، وهذه اشارة إلى أنني أعاني من داء في شرايين الاطراف، وهذا أحد مضاعفات السكر التي ستؤدي إلى البتر في نهاية المطاف واشارت الفحوصات إلى أنني اعاني من مشاكل في انسجة عضلات القلب وغير هذا الكثير، رغم أن الطبيب يقول أنني ابلي بلاء حسنا! فمن المضاعفات الأخرى كان بصري قد تأثر، فلا ابصر في الليل، انتفاخ الشرايين حول عيوني، انتفاخ في الشبكية، ومياه العين، كما أن مجرد الامتداد على السرير يسبب الألم لمنطقة الفخذين ناجم عن احد مضاعفات السكر الشائعة لكنه نادر ما يتم تشخيصه، بل أن حتى لفظه صعب جدا:أي متلازمة Iliotibial band/tensor fascialata
لقد اصبح ارتداء قميص ذي أكمام قصيرة (T-shirt) يسبب لي آلاما مبرحة. ولما ابتدأت بفحص البول عن البروتين وجدته يحتوي كميات غير مقبولة، ووجوده يعتبر، كما كنت قد قرأت، دليلا على مرض الكلى في مرحلة متقدمة. وفي ذلك الزمان (منتصف الستينيات إلى أواخرها) كانت المدة التي يراها الطب لحياة الانسان المصاب بالسكر من النوع الأول والذي يعاني من مثل هذه المشكلة هي خمسة أعوام. ومع عام 1967 كنت أعاني من كل هذه المضاعفات وكنت أبدو مريضا مرضا مزمنا إضافة إلى مظهر الشيخوخة المبكرة، وكان لدي ثلاثة أطفال أكبرهم عمرا يبلغ السادسة، وكان شعوري أنني لن أراهم يكبرون.
واتباعا لنصيحة والدي بدأت التمرن في مركز رياضة قريب، إذ كان اعتقاده أنني لو انخرطت في تمارين شديدة لشعرت بالتحسن. فعلا شعرت بالتحسن مزاجيا لأنني كنت افعل شيئا، لكن عضلاتي لم تتطور أو تصبح اقوى. حتى بعد عامين من تعاملي مع تمارين الحديد بقيت هزيلا عند وزن لم يتجاوز الخمسين كيلوغرام مهما اجبرت نفسي على التمارين. وفي عام 1969 نبهتني زوجتي التي كانت طبيبة إلى أنني قضيت حياتي إما داخلا في انخفاض السكر أو أعاني من أعراض الانخفاض أو استعيد وعيي من حالة انخفاض. كان يصاحب هذه الحالة عادة صداع شديد وتعب منهك، وكان سبب الانخفاض الجرعات الكبيرة من الأنسولين التي كان المفترض أن تغطي ما أتناوله من كربوهيدرايت. وأثناء هذه الحالة المتكررة كنت صعب المراس ومشوش وكنت اصرخ بمن حولي. مثل هذا الوضع اثر على والدي وعلى زوجتي وعلى أطفالي، وقد اصبح الضغط على اسرتي لا يحتمل!
وفجاءة في شهر أكتوبر من عام 1969 انقلب مسار حياتي . كنت سابقا اشتغل مدير البحوث لشركة تصنع للمستشفيات معدات المختبرات، لكنني انتقلت حديثا إلى وظيفة جديدة كمسئول عن مستودعات شركة كبيرة. وفي هذه الوظيفة الجديدة كنت لا زلت احصل على المجلات في الحقل الوظيفي السابق. وذات يوم تصفحت العدد الجديد من مجلة (عالم المختبرات: Lab World)، فوجدت فيها إعلانا عن جهاز جديد يساعد قسم الطوارئ في المستشفيات على التمييز بين غيبوبة مرضى السكر وغيبوبة السكارى (المخمورين) خاصة اثناء الليل عندما تكون مختبرات المستشفيات مغلقة. هذا الجهاز كان جهاز قياس السكر في الدم الذي يعطي نتيجته خلال دقيقة واحدة من قطرة دم واحدة!
وبما أنني عانيت الأمرين من انخفاض السكر، قلت لنفسي هذا الجهاز هو المطلوب خاصة أن الفحص المتاح لي هو فحص البول الذي في النهاية يخبرك عن السكر عندما يكون أصلا في طريق خروجه من الدم، فكان هدفي في البداية احتمالية تحكمي في الانخفاضات القاسية قبل أن أبدأ بالتصرفات الهوجاء.
فجلست اتعجب كثيرا من هذا الجهاز الذي له شاشة ساعة بحجم اربعة انشات وحامل ذهبي ويزن اربعة باوندات (2 كيلوغرام تقريبا)، ووتكلفته 650 دولارا امريكيا (فقط). ارسلت طلبا للحصول على الجهاز، لكن الشركة المصنعة رفضت بيعه للمرضى، ولا تبيعه إلا فقط للأطباء والمستشفيات! ومن حسن الحظ أن زوجتي كانت طبيبة فطلبت جهازا باسمها.
وبدأت اقيس السكر 5 مرات في اليوم وسريعا ما رأيت أن مستويات السكر تسير على سكة متأرجحة. والمهندسون معتادون على حل المعضلات حسابيا، لكن على المهندس أن يحصل على المعلومات الأساسية حتى يعالج القضية. عليه أن يعرف ميكانيكية المشكلة حتى يستطيع حلها، وأنا الآن ولأول مرة بدأت أرى مكانيكية وأرقام مرضي! إن ما تعلمته من فحوصاتي المتعددة هو أن سكر دمي يغوص إلى مادون الـ 40 ليقفز إلى أكثر من الـ 400 مرتين تقريبا في اليوم. لا عجب إذن أن مر بكل تلك التصرفات الغريبة.
__________________________________________________________________________________
الحلقة الثانية
كان هناك عدة عنواين تبدو مهمة، فطلب نسخا منها. ومعظم هذه العناوين كانت منشورة في مجلات خاصة جدا وتعالج تجارب حيوانية. فالمعلومات التي أملت بالحصول عليها لم يكن لها وجود. لم اجد مقالا واحدا يشير إلى الوقاية من المضاعفات عن طريق التمارين أو الرياضة! فكل ما وجدته أن مثل هذه المضاعفات قد تمت الحماية منها أو قد تم علاجها بنجاح في الحيوانات فقط. وتمت مثل هذه النتائج ليس بالرياضة وإنما فقط بخفض نسبة السكر إلى معدله الطبيعي! فكان هذا مفاجأة لي! بينما ركزت كل نصائح علاج السكر بشكل كبير على أمور أخرى مثل: التغذية قليلة الدهون، الحيلولة دون الانخفاض الحاد للسكر، والحيلولة دون حالة ارتفاع الحاد والقاتل للسكر (الكيتواسيدوسس). فلم يخطر ببالي أن المحافظة قدر الإمكان على معدل سكر قريب من المستوى الطبيعي سيكون له الأثر الحاسم!
ومع هذا الكشف شعرت بالنشوة وأنا اخبر طبيبي عن الأمر، لكن الخبر لم يثر فيه ردة فعل!! "الحيوانات ليست بشر"، كان رده ليضيف: "ثم إن المحافظة على مستوى سكر قريب من الطبيعي أمر محال". وبما أنني تدربت كمهندس وليس كطبيب، فإنني لم أومن بمثل هذه المستحيلات، وبما أن اليأس أخذ مني كل مأخذ فلم يكن لي خيار سوى أن اتظاهر بأنني حيوان.
وعلى مدى السنة التالية بدأت اقيس سكري 5-8 مرات في اليوم وأجري تعديلات كثيرة على التغذية كما ونوعا وعلى كمية الانسولين وأتأكد من النتائج كل 3-4 ايام. فإن جاءت التجارب بنتائج ايجابية حافظت على مادته، أما إذا كانت سيئة تركتها إلى غيرها. اكتشفت أن الغرام الواحد من الكربوهيدرات يرفع السكر 5 ميلغرامات للديسلتر وأن نصف وحدة من الأنسولين البقري/الخنزيري يخفضه بنسبة 15 ميلغرام للديسلتر.
وخلال سنة واحدة استطعت أن انظم الانسولين والتغذية بحيث اصبحت أحافظ على نسبة طبيعية من السكر على مدار اليوم. النتائج كانت باهرة: فبعد سنين وسنين من الانهاك والتعب المزمنين وتزايد المضاعفات اصبحت بين امسية وضحاها لا أعاني من تلك الاعراض، وكانت تعليقات الأصدقاء أن مظاهر الشحوب قد زالت. كما أن نسب الكلسترول العالية جدا لم تنخفض وحسب، بل إنها عند أدنى مستويات حدودها الدنيا ضمن المدى الطبيعي!
بدأ وزني أخيرا يزداد، وبدأت عضلاتي بالتحسن كما هي عند الأسوياء، ومتطلباتي من الأنسولين انخفضت بمقدار الثلث عما كانت عليه قبل عام. ومع تطور الانسولين الآدمي (على عكس الانسولين الحيواني) انخفضت جرعتي بمقدار السدس، أما الأورام الكبيرة المؤلمة وبطيئة الشفاء في مكان غرز ابر الأنسولين فقد اختفت تماما، كما اختفت أيضا الأورام الدهنية من الجفون ومحاجر العينين، واختفت أيضا كل مظاهر المضاعفات السابقة. فاليوم كل نتائج فحوصاتي، بما فيها فحص الكلى الأكثر حساسية، اعطت نتائج سليمة وطبيعية. بل أن الجهاز الهضمي تحسن وعاد إلى طبيعته، بل حتى انتفاخ الشبكية الذي كنت اعتقد حتى اثني عشرة سنة مضت أنه غير قابل للشفاء عاد إلى وضعه الطبيعي.
مع هذا التحسن المذهل ينتابني شعور بأني المتحكم بآليات جسدي، وبدأ يعاودني نفس شعور الانجاز الذي كنت احسه عندما احل معضلة هندسية. لقد دربت نفسي على أن أجعل مستوى السكر في الدم حسب ما أريد وليس التأرجحات التي كان عليها في السابق. فالأمور الآن أصبحت تحت سيطرتي!!
في ذلك الزمان من عام 1973 شعرت بنشوة هائلة حيال نجاحي، كما شعرت بأنني على مشارف كشف عظيم!! فمنذ حصولي على نتائج البحث الآلي اصبحت مشتركا لكل مجلات السكر المكتوبة باللغة الانجليزية، وجميعها لم تذكر أبدا الحاجة إلى جعل مستوى السكر في الأنسان قريب من الطبيعي!! بل في واقع الأمر كنت أقرأ كل بضعة أشهر مقالا يقول أن السيطرة على مستوى السكر ليس ممكنا أبدا. كان ينتابني شعور استغراب كيف يتسنى لي أنا المنهدس أن احقق ما يراه الأطباء محالا؟ إنني حقا ممتن للظروف التي اجتمعت لتعيد لي حياتي وصحتي وأسرتي وأن تضعني على الطريق السليم! من هذا المنطلق شعرت بأنني في أقل التقديرات ملزم بأشراك الآخرين في معرفتي المكتشفة حديثا. فالملايين من مرضى السكر "الطبيعيين" يقاسون الأمرين، كما قاسيت، بلا مبرر! وكنت متأكدا أن الأطباء الذين يعالجون مرضى السكر سيسجلون امتنانهم حين يعرفون كيف يتقون المضاعفات الخطيرة أو لعلهم يمنعون تفاقمها أو لعلهم يشفونها! فكنت بسذاجتي قد ظننت أن العالم لو عرف التكنيكات التي استخدمتها فإن الأطباء سيتبنونها لمرضاهم! فكتبت مقالا أفصل فيه اكتشافاتي، وأرسلته إلى تشارلس سوثر (وهو المسؤول عن تسويق منتجات السكر في شركة....، وهي الشركة التي صنعت جهاز قياس السكر الذي استخدمته)، وهو بالمناسبة الوحيد الذي وصلني من التشجيع في هذا المضمار، إذ اتفق مع أحد الكتاب الطبيين لتحرير مقالي.
قدمت المقال وكذلك النسخة المحررة إلى العديد من المجلات الطبية على مدار عام، وهي فترة كنت اثناءها اتحسن صحيا باستمرار، مثبتا لنفسي ولعائلتي إن لم يكن لأي امرء آخر صحة منهجي. إن خطابات الرفض التي تلقيتها تثبت أن الناس يميلون إلى تجاهل ما لا يمكن تجاهله إذا كان يتعارض مع ما تدربوا عليه في أوائل مهنتهم!! كانت رسائل الرفض تثبت هذا المبدأ، منها مثلا أن الكثير لا يستخدمون جهاز القياس وبذلك نتائجك لا يمكن تعميمها، أو أن عدم استعمالهم للجهاز لا تجعل النتائج واضحة، أو إن المختصين ليسوا متفقين على الحاجة إلى السيطرة على مستوى قريب من الطبيعي، وهكذا!
لكن عندما أصبح الجهاز متاحا في ثمانينيات القرن الماضي كانت مبيعاته مع ملحقاته قد تجاوزات معدل 4 بليون دولار سنويا!
***********************
ولي عودة إلى الموضوع مرة أخرى (تجاوزوا عن الأخطاء المطبعية أو التركيبية)
امنياتي لكم بالشفاء، وتصبحون على خير
التعديل الأخير تم بواسطة Happy; 20-03-2009، الساعة 11:19 PM
____________________________________________________________________________
الحلقة الثالثة
تركنا بيرنستاين وهو يتأفف من المهنة الطبية التي لا تقبل إلا ما اعتادت عليه، فلم يعيروه اهتمام رغم أنه دليل حي يمشي على قدمين يثبت أن المختص على خطأ وهو على حق. ومع ذلك لم يثنه هذا الحال، بل ظل يثابر ويحاول.
يقول: انضممت إلى معظم أهم المؤسسات العامة (مؤسسات غير المختصين) على أمل أن اترقى في سلمها لكي تتاح لي الفرصة للتعرف بأطباء وباحثين مختصين في هذا المرض، لكن نجاح خطتي كان نجاحا اقل من عادي: فقد حضرت مؤتمرات وشاركت في لجان، وتعرفت إلى العديد من الأخصائيين المرموقين. لكن في البلد (امريكا) قابلت فقط ثلاثة أطباء كانوا على استعداد لمنح الفرصة لمرضاهم أن يجربوا هذه الطرق. بينما في هذه الأثناء كان تشارلس سوثر يجوب البلاد بمقالي باحثا عن ناشر، وهو مقال تم صفه في هذا الوقت على حسابي الخاص. لقد كان رفض الأطباء المختصين في السكر لفكرة مراقبة مستوى السكر ذاتيا شديدة جدا رغم أنهم يؤمنون بأهميتها، لدرجة أن شركته رفضت عرض بيع أجهزة قياس السكر للمرضى مباشرة، ولم تقبل هذه الفكرة إلا بعد أعوام وأعوام. كأن بمكان الشركة أن تربح الكثير من الاجهزة ومن الشرائح، لكن حدة معارضة المهنة الطبية منعتها على عدة مستويات: كان أولا من غير المعقول فكرة أن المريض يستطيع "دكترة" نفسه، فالمرضى لم يعرفوا شيئا عن الطب، وإن عرفوا فكيف للاطباء أن يكسبوا عيشهم؟ ففي ذلك الزمان كان المرضى يزورون طبيبهم كل شهر "ليحصلوا على سكر الدم" (يبدو أنه يصف الحال عندنا اليوم)، فإذا كانوا يستطيعون فعل ذلك في بيوتهم بتكلفة 25 سنتا (ربع دولار)، فما الداعي لزيارة الطبيب المكلفة؟ رغم أن هذه ربما تكون من الأسباب، ألا أن السبب الأهم أنه لم يكن أحد في ذلك الوقت يؤمن بقيمة المحافظة على مستوى الدم عند مستواه الطبيعي. لكن قياس السكر الذاتي يظل، من عدة وجوه، يمثل تهديدا خطيرا وحقيقيا لدخل الأطباء الذين تخصصوا في معالجة أعراض السكر وليس معالجة المرض نفسه. فلتزر عيادة العيون القريبة منك لترى أن الصالة ممتلئة لثلاثة أربعاها بمرضى السكر، اكثرهم ينتظر معالجة مكلفة وأساسية!
وبمساندة سوثر (على شكل تموين أجهزة مجانية) استطعت في عام 1977 أن أحقق أولى نجاحاتي: تبنت الجامعتان في منطقة مدينة نيويورك تمويل دراستين. وأثبتت الدراستان نجاحهما في قلب المضاعفات الأولية التي كانت في مراحلها الأولى على عينة الدراسة. من هنا جاء النجاح الثاني: تبنت الجامعتان الدعوة إلى أول مؤتمرين حول المراقبة الذاتية لمستوى سكر الدم. في هذه الاثناء كنت أدعى إلى مؤتمرات السكر واكنت ادعى لألقاء الكلمات والمشاركة، لكن مثل هذا كان نادرا ما يحدث في الولايات المتحدة. ومن الغريب أن الأطباء خارج الولايات المتحدة كانوا أكثر اهتماما بضبط مستوى سكر الدم من أطباء الولايات المتحدة. فأول من تبنى طريقة المراقبة الذاتية لمستوى سكر الدم كانوا من خارج الولايات المتحدة، كانوا من بريطانيا.
هذا "التقدم" كان في واقع الأمر بطيئا بالنسبة لي، فقد كنت أعلم أن المؤسسات الطبية في غارقة في تباطئها، كان هناك المصابون الذين يفقدون حياتهم وحيويتهم. كنت أعلم أن الملايين سيعانون من المضاعفات وفقد الاطراف والتعقيدات المعيشية، وغيرها.
لذلك في عام 1977 قررت أن أترك وظيفتي لأصبح طبيبا! لم أستطع الانتصار عليهم، فقررت الأنضمام إليهم!! فبمسمى طبيب () خلف اسمي لعلني استطيع النشر وأستطيع أن أمرر ما كنت قد تعلمته عن ضبط مستوى سكر الدم. وبعد سنة تحضيرية في مرحلة ما قبل الطب، وسنة انتظار أخرى دخلت كلية طب الفريد أنيشتاين عام 1979. كان عمري عندها 45 عاما، وأثناء سنتي الأولى طب كتبت كتابي الأول تحت عنوان// السكر: طريقة بيان الجلوكوز لتطبيع سكر الدم (تطبيع: أن يكون طبيعيا):
Diabetics: Glucograf Method for Normalizing Blood Sugar
وفيه عددت بتفصيل ممل علاجي لمرض السكر من النوع الأول او السكر المعتمد على الأنسولين.
وفي عام 1983 افتتحت أخيرا عيادتي الطبية قرب بيتي في مدينة ممارونك، في ولاية نيويورك. في هذا الوقت كنت قد تجاوزت كثيرا العمر المقرر لمرضى السكر من النوع الأول، أي مرضى السكر "الطبيعيين"! والآن بإشراك مرضى النوع الأول والثاني بملاحظاتي البسيطة أستطيع أن اساعدهم، فهم لا زالوا بانتظار أحلى أيام العمر. وأستطيع أن أساعد أخرين بأن يتخذوا زمام الأمر بأنفسهم كما فعلت أنا نفسي، ليعيشوا حياة طويلة وصحية ومثمرة.
*****************
حاولت أن ابحث عنه حاليا فوجدت مقابلة معه بتاريخ أبريل 2007، لم اسمع بوفاته فأعتقد أنه لا زال على قيد الحياة.
كثير من الأطباء يذمون طريقته، لكنه في الكتاب وفي المقابلة يقول أنه لا يعرف طريقة تساعد المرء على ضبط مستوى السكر غير طريقته ذات الكربوهيدرات القليلة، عيادته وطريقته ناجحة جدا،وله من الكتب 6. هذا عدا المقالات والمقابلات. وكتبه متوفرة لكنني لا أعلم لها أو لبعضها ترجمة. ياحبذا لو أن مؤسسة اشترت حقوق الترجمة وأنجزت لها ترجمة جيدة. مبيعات كتابه هذا بلغت 400000 (أربعمائة ألف نسخة) ويقول أن هذا لا يغطي 3% من مرضى الولايات المتحدة وحدها!